اخر الاخبار

Post Top Ad

Your Ad Spot

السبت، 6 يناير 2018

بريئة من دمائكم هي الذئاب..



بريئة من دمائكم هي الذئاب..




بريئة من دمائكم هي الذئاب..
بريئة من دمائكم هي الذئاب..

الفصل الأول

استلقى الذئب أمام وكره .. وراح يكحل عينيه بمراقبة أشباله السبعة وهم يتنافسون ويتصارعون أمامه في جلبة لذيذة عذبة... لكن نظره كان متعلقا بأكبرهم سنا وهامة، إنه شبله المدلل، المفضل لديه .. ذلك الذي كان يبدي من الذكاء والفطنة والشجاعة والجرأة والقوة والبأس ما لم يصل إليه أحد من أخوته ولا حتى من بقية أشبال القطيع... لقد كان يحمل كل علامات القيادة والزعامة وكان هذا مما يزيد في سعادة سيد القطيع .. كان الذئب المتمدد يراقبه شبله وهو يقول في نفسه: ”إن شبلي هذا سيكون له شأن من بعدي.. أنا أحس أنني هرمت وأن كل من حولي أصبحوا يطمعون في الحلول محلي على رأس القطيع.. لكنني مازلت إلى اليوم صامدا رغم هذا الشعور الذي يراودني دائما بأن ساعة هزيمتي تقترب يوما عن يوم.. لكن ابني هذا سيكون قادرا على مقارعة الجميع والتفوق عليهم.. لذلك يجب علي أن أصمد لسنة أخرى أو لسنتين قادمتين حتى لا يتحالف ضده بقية الذئاب فيغدرون به ويقضون عليه أو يطردوه خارج القطيع قبل أن يشتد عوده..“

أغمض الذئب عينيه لوهلة فأخذته غفوة وعبرت به أحلامه الوردية بعيدا مصورة له أكبر أشباله واقف على رأس القطيع عاويا بكل ما في صدره من نفس وبكل ما في جنباته من عنفوان فترتج لعوائه الأرض ويظهر كل من في القطيع الخضوع والتذلل بطأطأة الرؤوس وتسري قشعريرة من الرعب والجزع في قلوب كل من في الغابة من فرائس..

حقا إنه ذئب محظوظ.. إنه لا يزال يذكر كيف أنه افتك الزعامة من كبير الذئاب السابق .. ذلك الذي كان الجميع يرتجفون من مجرد استنشاق رائحته في الهواء.. لقد كان ذئبا ضخما قويا، ماكرا وشديد الشكيمة.. في ذلك العهد حين كان هو في عنفوان الشباب لم يكن أحد قادرا على الصمود أمامه ولو لبضع لحظات.. الكثير من الذئاب قبله حاولوا مبارزته فلم ينالوا سوى الخيبة وتشوه أجسادهم بفقد عضو من أعضائهم هذا إن سلموا من الموت الزئام.. ثم تذكر كيف تمكن هو ذات يوم من الفتك به وقهره والتنكيل به ونفيه بعيدا عن القطيع ليموت وحيدا ذليلا في أحد الأوكار النائية المهجورة وهو يجر أذيال الخيبة والهوان.. إنه لا يزال يذكر كيف أنه لم يكن ليقدر على الظفر بذلك الفوز الكبير لولا أنه استخدم الذكاء والمكر والخديعة قبل القوة والبأس.. فقد كان لذلك الذئب أيضا شبل يافع قوي وشجاع وكان أبوه يسهر على حمايته وإعداده ليحل محله.. لكنه أغرى مجموعة من أصحابه وأقنعهم بأن هذا الشبل لن يكون سوى طالع شؤم على القطيع وكل ذكوره وأنه لا بد من التخلص منه للثأر لآبائهم الذين لقوا حتفهم على يد سيدهم الظالم المستبد.. وهكذا استفردوا بالشبل يوما وتكتلوا عليه وفتكوا به ومن يومها انهار زعيم القطيع وخارت قواه وهكذا تمكن هو من الإجهاز عليه...

إنه يخاف اليوم أن يتكررمعه نفس ما حدث لسلفه .. لذلك هو لا يفارق شبله ولو للحظة مخافة أن يصيبه ما أصابه.. لذلك هو يلح على أن يصحبه شبله في كل مكان.. حتى خلال عمليات الصيد .. وقد كان يتوقف ما إن يشعر بأن شبله قد غاب عن أنظاره ولو ترك بقية القطيع يستمر من دونه..

لقد كان الجميع في الغابة يدركون مدى تعلق الزعيم بشبله فيظهرون له التودد ويحاولون التقرب منه رغم أن الكثير منهم كنوا يكنون له الحقد البغضاء..

وفجأة خطر في باله أمر ما .. فانتفض من مكانه قائما وأومأ لشبله أن يلحق به وانطلق يعدو نحو الغابة وشبله من ورائه يتبع خطاه...

الفصل الثاني

ارتقى الزعيم صخرة ناتئة ووقف على قمتها بينما بقي شبله أسفل منها رافعا رأسه نحو أبيه وهو يتقافز هنا وهناك مبصبصا بذيله .. وهنا أومأ له والده بأن يتوقف عن اللعب وأن يصغي إليه.. فتسمر الشبل في مكانه وجلس على مؤخرته رافعا رأسه مصغيا بكل جوارحه .

- اسمع يا ولدي ، أنت لم تعد صغيرا وأنا أريد منك أن تكون قويا وأن تكون لك زعامة القطيع من بعدي.. لكن الطريق أمامك مازال طويلا.. والأخطار من حولك تتعاظم.. وأنا أريد أن أحذرك وأنبهك أنه يجب عليك أن تنتبه لنفسك حتى لا يغدر بك أحد..

- وكيف يمكن أن يغدر بي أحد وأنا ابنك يا سيدي.. والجميع يهابك ويحترمك ويسعى لإرضائك؟؟

- لا يغرنك ما يبديه الأخرون من تودد وتذلل وطاعة .. إنه تزلف ونفاق يا ولدي.. الكل يريد أن يحل محلي وأن يفتك الزعامة مني.. ولولا أنهم متؤكدون من أنني أفوقهم قوة وبطشا ومكرا لتخلصوا مني منذ زمن.. فلا تغتر لمعسول الكلام يا ولدي.. ولا تظهر أي نوع من الرحمة أو الشفقة تجاه أحد.. بل على العكس كن دائما صارما ومتجبرا وأظهر أقصى ما عندك من البطش والجبروت حتى يهابك الجميع.. فلا يجرؤ أحد منهم حتى على مجرد التفكير في أن يتحداك.. إنهم يا ولدي وحوش لا رحمة ولا شفقة عندهم.. وإن لم تبطش بهم وتكون أشد توحشا منهم فتكوا بك..

- لكن هؤلاء هم فصيلتي وأبناء عمومتي .. فكيف يمكن أن تكون العلاقة بيننا على هذا النحو المتوحش.. المفروض أن نكون يدا واحدة .. وأن يحمي بعضنا بعضا..

- نعم أنت على حق يا ولدي .. نحن فصيلة واحدة.. وقطيع واحد.. ونحن كما ترى نعيش معا ونقاتل أعداءنا معا.. ونصطاد معا.. لكن فيما يتعلق بأمور تسيير شؤون القطيع فيما بيننا وفيما يتعلق بالقيادة والزعامة فالأمور لا تستقيم إلا بأن يكون الزعيم هو الأقوى والأشرس والأشد بطشا ومكرا ووحشية.. تلك هي قوانيننا يا ولدي وعليك أن تخضع لها إن أردت أن يبقى كلنا على قيد الحياة وأن نستمر على رأس هذا القطيع.. أفهمت يا ولدي؟؟..

ثم عوى الذئب بصوت مجلجل اهتزت له أرجاء الغابة .. وقفز من على الصخرة ليستقر إلى جوار شبله تماما ثم راح يتمسح برأسه وفروة خذه في غبطة وحبور غريبين ..

الفصل الثالث

قطيع الذئاب يهجم على الغابة في صفوف منتظمة بعد أن تم وضع خطة محكمة من أجل القبض على بعض الفرائس.. كان الزعيم وشبله في الفريق الذي يقوم بالملاحقة والمحاصرة بينما كمن فريق أخر في أخر مسار الحيوانات الهاربة لقطع الطريق عليها والفتك بها ..

كان قطيع الحمير الوحشية ضخما.. ولكن الذئاب المطاردة عمدت إلى اختراقه وفصل مجموعة من المسنة من بينها عن البقية والتوجه بها نحو المجموعة المترصدة.. استمرت المطاردة مدة طويلة ورغم أن الحمير الوحشية أظهرت صمودا وقدرة كبيرة على التحمل والمداومة.. لكن إصرار الذئاب كان أكبر وأشد وبعد جهد جهيد تم إرغام الحمير المحاصرة على التوغل في الممر المحاصر من طرف الذئاب الكامنة وفي اللحظة المناسبة برزت تلك الوحوش الضارية من مكامنها لتنقض على حمارين ضخمين وتمزقها إربا وتقتسم اللحم فيما بينها..

بعد أن شبع الجميع.. وقام الذكور بحمل ما بقي من اللحم إلى من بقي في الأوكار من الأمهات والجراء الصغيرة .. تمددت الذئاب أمام أوكارها تأخذ قسطا من الراحة بعد تلك الغارة الموفقة..

اقترب الشبل من أبيه وسأله:

- أبي كيف يمكن لنا ونحن أقل عددا وحجما من تلك الحمير الضخمة القوية الكبيرة العدد أن نسيطر عليها ونعيش على لحومها ودمائها.. بينما هي لا تفعل أي شيء شيء سوى الركض أمامنا والتلويح بحوافرها هنا وهناك؟؟

- إنه الدهاء والمكر والخوف..

- وكيف ذلك يا أبي؟

- إن هذه القطعان الجرارة من الحمير الوحشية يا ولدي وغيرها من بقية الفرائس التي نتخذ منها غذاء لنا.. لو أنها تجاوزت خوفها لأصبحت قوة لا يمكن قهرها ولقضت علينا في لمح البصر حتى دوسا تحت أقدامها.. لكن هو الخوف يا ولدي.. إنك إن أردت أن تحكم الآخرين فعليك بإذلالهم وتركيعهم وبث الخوف في قلوبهم..

- ولكن كيف يمكن أن نقوم بذلك يا أبي؟؟

- الخطوة الأولى التي يتوقف عليها كل شيء في البدء يا بني تكون بتنشر الجهل والغباء بينهم وبجعل كل همهم ملء بطونهم والبحث عن حياة السكينة والهدوء.. فهذه الحيوانات يا ولدي ومنذ القديم عندما كانت كل الحيوانات لا تختلف عن بعضها البعض حيث يعيش الجميع على الأعشاب والأوراق .. هذه الفصائل رفضت أن تكون سيدة وقبلت بالاستعباد .. لقد أبت أن يكون لها أنياب وأظافر حتى لا تتنازل عن ضخامة أجسامها لأنها كانت شديدة الشراهة لا تفكر إلا من خلال بطونها.. بينما نحن قبلنا بأن تتقلص أحجامنا على أن نمتلك أسلحة تجعلنا نتفوق على الجميع أصدقائنا و أعدائنا.. لقد أدرك أجدادنا أن بقاء رؤوسنا مدفونة في الأرض بحثا عن الحشائش والأعشاب القليلة الفائدة لن يجعل منا إلا عبيدا.. لذلك قرروا أن الموت أفضل لهم من الإستمرار في العيش على ذلك النحو المهين.. وهكذا أخذوا في البحث عن سبيل ترتقي بهم من منزلة العبيد إلى منزلة الأسياد وكان لهم ذلك باكتشاف الأنياب والأمخالب التي أخذت مكان الأسنان والأظلاف..

- ولكن لم لم يفعلوا مثلكم عندما تبين لهم خطؤهم يا أبي؟؟؟

- ألم أقل لك يا ولدي أن مصيبة هؤلاء الأغبياء هي في بطونهم!!! إننا عندما عزمنا على التغير وقللنا من اعتمادنا على الأعشاب والحشائش .. وتحت تأثير الجوع بدأ تظهر عندنا ملكات المكر والدهاء.. وعلمنا أنه لن يجدينا فقط أن نتسلح بالأنياب والمخالب لتحقيق تفوقنا - خاصة أن ذلك القرار تسبب في فناء الكثير منا وتقليص أعدادنا وضمور أجسامنا- لذلك أدركنا أنه يجب علينا الاعتماد على المكر والخديعة لتحيق مرادنا..

وهنا اعتدل الشبل في جلسته وقد ازداد اهتمامه بحديث والده وأخذ يحرك ذيله من شدة التأثر.. وأضاف:

- وماذا فعلتم من أجل تحقيق ذلك يا أبتي؟؟

- لقد قمنا بإقناعهم أن من حق كل جنس أن يختار طريقته في الحياة وأن يعيش كما يريد.. من يريد أن يستمتع بملء بطنه فله ذلك .. لكن يجب عليه أن يدرك أن عدوه الحقيقي ليس الذئب وإنما هو ابن جلدته الذي ينافسه على العشب ويؤكل منه بغير حساب.. وأقنعناهم بأننا على العكس مما يقال لهم بأننا أخلص أصدقائهم لأننا نخلصهم من منافسيهم على الغذاء من ضخام الجثة والطاعنين في السن والمرضى وأننا أبدا لن ننافسهم على غذائهم.. وهكذا أمكن لنا ترويضهم وإخضاعهم..

- هل تريد أن تقول لي أن هذه الحيوانات تعتبر بعضها بعضا أعداء وتصدق أننا أصدقاؤها؟؟؟

- نعم.. فقد أقنعناهم أننا فقط نقوم بالتقليل من أعداد منافيسيهم من بني جنسهم على الطعام والعشب وأنه لولانا لما بقي هناك طعام يكفي الجميع وبهذا الشكل أصبحوا يتنازلون لنا عن طيب خاطر منهم عن الكثير من بني جلتهم من أجل أن يستمر البقية في العيش.. بل إن البعض منهم أصبح حليفا لنا يقوم بإرشادنا إلى من يجب أن نفتك به ويقومون بنفييه من القطيع والابتعاد عنه حتى نتمكن من القضاء عليه..

- حقا إن أمر هؤلاء عجيب يا أبي.. ولكن لم تفسر لي سبب كل ذلك الرعب وكل ذلك الفزع الذي يبديه هؤلاء من مجرد مرور أحدنا أو مجموعة صغيرة منا حتى على مقربة منهم ؟؟

- إنه حب الحياة يا ولدي.. إن هؤلاء لا هم لهم ولا غاية سوى العيش مهما كان شكل الحياة التي يحيونها.. حتى ولو كانت حياة الذل والمهانة والخوف والخنوع سواء للضواري أو للبشر.. إن هم هؤلاء الوحيد يا بني هو الأكل والتناسل وما عدى ذلك فلا أحد يلتفت له أو يهتم به ... لذلك ترى ذهولهم ورعبهم كلما اقتربنا منهم لأنهم يعلمون أن أحدهم أو بعضهم سيفقد أغلى شيء بالنسبة له ألا وهي حياته..

- حقا يا أبي إنه لأمر جيد أن تكون ذئبا.. وأن تثير الرعب في قلوب الآخرين..

وهنا ارتسمت ابتسامة غريبة على فم الزعيم ولمع بريق ساطع من عينه لينتفض من فوره من مكانه ويمد عنقه إلى أقصى مداه ويطلق عواء موحشا طويلا لم يصدر مثله من قبل قوة ووحشية وامتدادا...

عبد العزيز الرباعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Your Ad Spot

الارشيف