شارلي هابدو...والحقيقة المرة..
بقلم عبد العزيز الرباعي
شارلي هابدو...والحقيقة المرة.. |
كم هو مؤلم أن تكتشف الحقيقة المرة التي طالما حاولت تفنيدها أو حتى التظاهر بعدم
رؤيتها وإنكارها وإيهام نفسك بأنها مجرد هواجس لا أساس لها من الصحة وأنها مجرد تهيئات وتصورات خاطئة...
وكيف لك أن تستسيغ أن جزءا كبيرا من بني جلدتك وخاصة من الطبقة التي تقدم نفسها على أنها زبدة المجتمع وأنها رمز الوطنية مجرد بيادق في يد السيد الأبيض الرابض هناك على الضفة الأخر من شاطئ المتوسط؟؟؟ وأن ولاءهم له هو أكبر من ولائهم لهذه الأرض التي يعيشون فوق ثراها ويتنفوسون هوائها ويشربون ماءها ويأكلون خيراتها؟؟؟ بل إنهم يحضون بالنصيب الأكبر من ثرواتها وخيراتها؟؟؟
أي ألم يمزق أحشاءك وأي سخط يغلي به رأسك فتهتز له كل أوصالك وأنت ترى كيف يتمرغ البعض من أبناء بلدك في الوحل الذي تطؤه أقدام القادم من ناحية الضفة المقابلة توددا وتملقا ؟؟ منتهى المذلة والمهانة... حقا إن من كانت نفسه تعشق المهانة والعبودية فإنه يرى الحرية والكرامة شرا لا بد من الهروب منه ...
نفس الوجوه الكالحة الباسرة العابسة الممسوخة التي تشمئز من رؤية أي شخصية حرة أبية متأصلة وواعية .. تراها تتهلل وتنفرج أساريرها وهي ترى سيدها الذي يجلدها بالليل والنهر ويدوس على رقابها ويمرغ أنوفها في الأوحال صباحا مساء وبعد الصباح ويوم الأحد...
نفس الذين هللوا لقدوم ”بوجناح“ المتصهين... ودافعوا عن حقه في تدنيس هذه الأرض.. نراهم اليوم يكادون يذوبون فرطا ووجدا وهم يهتفون باسم الدولة الغاصبة المجرمة التي استباحت أرضهم مرارا وتكرارا منذ عهود الحروب الصليبية المقدسة إلى تاريخ فرض الهيمنة والاحتلال المباشر طيلة سبعين سنة ثم الاحتلال الغير مباشر عبر أعوانها وعملائها إلى غاية اليوم...
لقد أصبح واضحا اليوم لكل ذي بصيرة أن هذا البلد لازال مستباحا وأنه مازال بحاجة إلى التطهير من جديد... نحن وللأسف الشديد وبكل مرارة لا نزال تحت نير احتلال مزدوج... إنه احتلال مزدوج الأقنعة.. ولن تقوم لنا قائمة إن لم نتخلص من الاحتلال وعملائه وأعوانه ولا معنى لأي ثورة لا تجعل على سلم أولوياتها التخلص من هاذين الاحتلالين المقيتين...
الغريب والمؤلم أكثر أن هذا الاحتلال وهذه الهيمنة التي تجاوزت حدود الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية تحولت إلى هيمنة فكرية ووجدانية... نعم لقد اكتشفنا بكل مرارة خلال الزيارة الأخيرة لرئيس فرنسا أن هناك من تمكن الاحتلال حتى من الهيمنة على وعييه وتحويله إلى مجرد مسخ لا يفقه حتى أين تكمن مصلحته ومن هو صديقه من عدوه ؟؟
جريدة ”شارلي هابدو“ سيئة الذكر.. تلك التي تباكى الكثير من مسوخ بلادنا على ما تعرضت له من استهداف بسبب تطرفها وبذاءتها وعدوانيتها وإدخال يدها في جحور الأفاعي .. لم تترك المناسبة دون أن توجه صفعة إلى وجوه كل الأزلام والغلمان والمسوخ التي استمرأت العبودية والذلة والمهانة عندنا وجعلت من رقابها مطية ليدوس عليها سيدهم القادم من هناك عبر المتوسط... لتنشر صورة كاريكاتورية تصور بكل دقة ودون مساحيق حقيقة العلاقة بين بلد مستباح متهالك تتحكم فيه طبقة متعفنة غارقة في الفساد والعمالة .. وبين سيد متعجرف متكبر معتد بنفسه لم يكلف نفسه حتى تقديم عبارات يفهم منها ولو تلميحا وليس تصريحا اعتذار بلده عما اقترفه الأسلاف من مجازر وجرائم في حق هذا البلد وفي حق المنطقة برمتها والتلميح لسعيهمالجدي للتكفير عما اقترفوه في حقها ولو من باب المظاهر والبروتوكول الكاذب...
لقد كشفت ”شارلي هبدو“ البذيئة السليطة عورات الجميع... وخاصة عورة أذيال وأذناب الاحتلال عندنا من سياسيين وصحفيين ومعارضين وحكام وفنانين ومثقفين... فصورت ”تونس“ في شكل عاهرة ورئيس تونس ” متاع هيبة الدولة“ في شكل ”قواد“ يحث أعوانه الذين يحملون الزي الرسمي ”أجهزة الدولة“ في التعجيل بإعداد العاهرة وتزويقها حتى تثير إعجاب السيد الأبيض القادم لزيارة مستعمرته وتكون في مستوى انتظاراته وتشبع كل رغباته ؟؟؟
حقيقة مرة موجعة ومؤلمة تلك التي تعبر عنها تلك الصورة صادمة ولكنها وللأسف الشديد عين الحقيقة... فبالله عليكم كفوا عن تصديع رؤوسنا بالحديث عن الكرامة واستقلالية القرار والوطنية والأمن القومي والمصلحة الوطنية ... فقد بان أنكم مجرد عملاء وأننا جميعا لسنا سوى خدم لدى السيد الكبير... فعلى الأقل اتركونا بسلام وقوموا بما أنتم فاعلون دون كثير من الضوضاء والكذب والمزيدات... بما أن أحدا لم يعد يهمه شيء فسي هذا الوطن سوى ما يضعه في جيبه أو في بطنه.. فقد ماتت فينا كل نخوة وكل أنفة وكل كرامة وكل كبرياء...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق